!كيبيك؛ مناهضة العنصرية بين الواقع و المأمول

من يتابع بعض المجريات حول موضوع العنصرية في كيبيك يلاحظ الارتباك الحاصل عند صانع القرار بكيفية التعامل مع هذه الظاهرة التي تقلق الكثير من مكونات المجتمع الكيبيكي بخلفياتها المتنوعة

إشكالية العامة بكيبيك في كيفية التعامل مع ظاهرة العنصرية الواضحة في كثير من قطاعات المجتمع تتأرجح ما بين الإنكار الكامل، إلى الاعتراف الخجول بوجودها المرفق دائما ” ولكن…” الى المبالغة فى وصف هذه الحالة . و قد تأتي المبالغة و التي قد ترتبط اسبابها نتيجة عدم وجود الإرادة السياسية بالتصدي لها و الإهمال ، لا بل قد يعتبر البعض تشجيعا للحالة هذه من قبل صنّاع القرار السياسي و حتى بعض الاجتماعي في المقاطعة . هنا، يأتي قانون ٢١ كمثال حي و الذي يعتبره الكثيرون “تشريعاً” للتمييز ضد نساء كيبيك بسبب خلفياتهم العقائدية و “اعطاء الضوء الأخضر ” لعنصرية فاضحة ضد اجزاء اخرى من المجتمع بسبب تنوعهم الثقافي و العادات و التقاليد .

اضافة الى ذلك،تشير الكثير من التقارير الحقوقية و الدراسات عن وجود ما يعرف بالعنصرية الممنهجة في القطاعات الرسمية في كيبيك و سياساتها القائمة و التي تؤدي الى التفاضل العرقي حسب نتائج الأبحاث في هذا الصدد . و اكثر من يشكوا من هذه الحالة هم جزء من مواطني المقاطعة من اصول أفريقية على وجه الخصوص. و وسائل الاعلام لا تخلو من تغطيات اخبارية حول تعرض مواطنين ذوي البشرة السمراء الى توقيفات من قبل الشرطة و معاملات تُوصف انها قائمة على أسس عنصرية و عرقية . و قد صدرت “استنتاجات ” كثيرة من قبل مؤسسات حقوق الانسان تؤكد هذه “الفرضيات” .

امام زخم المطالبات بالتحرك للعمل لمناهضة العنصرية ، حصلت بعض التطورات في هذا المضمار ترجم من خلال بعض القرارات و التعيينات و إقرار تغيير سياسات في بعض القطاعات الرسمية و منها على وجه الخصوص قوى الشرطة التي تأتي عليها اكثر الشكاوى. كانت البداية بتعيين السيدة بشرى منّاعي من قبل المجلس البلدي لمدينة مونتريال و ذلك لتكون على رأس لجنة متخصصة للتعامل مع ما يعرف ” بالعنصرية الممنهجة” . و قد كان لتعيين سيدة منّاعي و لكونها مسلمة من اصول عربية ادى الى ردود عاصفة حادة وصفت بالإسلاموفوبية و العنصرية . و المفارقة ان سيّدة منّاعي لم تسلم من النقد حتى من قبل من هم من المفترض ان يكونوا الى جانبها و ذلك للون البشرة بالرغم من انها من شمال افريقيا .

إضافة الى ذلك أتى إنشاء وزارة متخصصة لمناهضة العنصرية في حكومة المقاطعة كخطوة ملفتة للنظر كون رئيس الوزراء فرنسوا ليغو من اكثر السياسيين رفضا لمبدأ وجود عنصرية في المقاطعة . و قد تم تعيين وزير البيئة السيد بنواى شاريت لكي يقود الوزارة المستحدثة . و لم ينجُ السيد شاريت هو الآخر من موجة انتقادات لكونه من ذوي البشرة البيضاء . و الجدير ذكره ان السيد شاريت كان من اكثر المقربين للجالية المسلمة و كانت تربطنا به علاقات وثيقة عندما كان ائتلاف مستقبل كيبيك CAQ في المعارضة و قبل ان تنقلب هوية الحزب الى تبني سياسيات يعتبرها المراقبون اكثر ميولا الى الشعبوية .

أضف إلى هذا كان تبني المجلس البلدي لمدينة مونتريال منذ ايّام قليلة لمجموعة توصيات خرجت بها لجنة الأمن التي شُكلت منذ عام للنظر في كيفية الحد من تعامل الشرطة مع المواطنين على أسس نمطية عرقية .

كل هذه الوقائع تشير دون ادنى شك ان وضع الرأس تحت الرمال و كأن الحالة العنصرية في كيبيك هي كلام في الهواء لم يعد يجدي نفعا . فكان لا بد من قرارات لتعكس على الأقل حالة اهتمام و لو ظاهرية بضرورة مناهضة هذه الحالة المرضية بشكل جدي. و لا يمكن انكار إيجابية هذه القرارات و التي قد تعكس اعترافا و لو ضمنيا بأن كيبيك تعاني، كما غيرها، من باقي المجتمعات الغربية ، من انتشار للتوتر المجتمعي على أسس عنصرية بغيضة .

يبقى التحدي الحقيقي وهو تحويل جملة التوجهات الحالية الى تغيير جذري في العلاج و في عدم التغاضي عن ازدياد الملحوظ في الأحداث المرتبطة بخلفيات عنصرية و نمطية عرقية . التوقعات ان لا يقبل المد الشعبوي ببساطة في عملية التصدي لظاهرة العنصرية. و لكن عموم المجتمع الكبيكي متميز بالانفتاح و تكيف مكوناته سوف تكون له كلمة النهاية . لن يقبل هذه المجتمع بنقاط سوداء تلطخ صورته الناصعة التي نفتخر بها جميعا ككبيكيين .

سامر مجذوب

قانون 21 أبعاد مختلفة ، الشعبوية و القومية المتشددة و البعد الانفصالي

يأتي قانون 21 ، حظر ما يطلق عليه “الرموز الدينية” في بعض الوظائف العامة في مقاطعة كيبيك الكندية، تكملة لمحاولات سابقة قامت بها حكومات المقاطعة المحلية في أوقات زمنية مختلفة مستهدفة بها شرائح مجتمعية كيبيكية تنتمي لخلفيات ثقافية و دينية و لغوية مختلف

  في كل التجارب السابقة إضافة الى القانون 21 الحالي ، كانت الحجة مبدأ علمانية الدولة ، و التي لم تعد تقنع حتى أصحابها ،هي العملة المستخدمة لتبرير حالة  الحرمان و التمييز الفجة التي تؤدي إليها مفاعيل هكذا تشريعات على مواطنين من المفترض أنهم يتمتعون بحقوق المواطنة كما أقرانهم في مقاطعة كيبيك و باقي اجواء الوطن الكندي

لم يعد يخفي على أحد أن مبدأ العلمانية لا يعطي حق لأي سلطة كانت بإجبار أو فرض مفاهيم الحاكم على أي فرد من أبناء المجتمع . وخصوصًا مع اقتناع الجميع من سياسيين و مؤسسات حقوقية ونشطاء المجتمع المدني و حتى القضاء أن أكثر المتضررين بمفاعيل قانون21 وأكثرهم استهدافًا بشكل لا يخفيه ولا ينكره حتى من قام بالتشريع المذكور هم عنصر النساء و الفتيات الكيبيكيين ممن اختاروا لباس معين نتيجة قناعات ذاتية قاعدة عقائدية هنّ مقتنعات بها

هنا يأتي سؤال “المليون دولار” مع سقوط حجة العلمانية كورقة التوت التي يخفي وراءها آخذي القرار قانون 21 الأسباب الحقيقية لهم للذهاب إلى حد استهداف المرأة المواطنة الكيبيكية في صميم إنسانيتها و حريتها و حقها بالعمل ، ما هو المحرض و الدافع الحقيقي لهكذاحالة تطرف شديدة من قبل سلطات تدعي الديمقراطية و الدفاع عن حقوق المرأة و الإنسان ؟

بالتأكيد أن العالم يشهد حالة من الانفلات أدت إلى تبني سياسات شعبوية متطرفة غير مسبوقة من قبل حكومات في أوروبا والشرق الأقصى و شبه الجزيرة الهندية و حتى أمريكا الشمالية دفعت إلى تصاعد مخيف في الكراهية و العنصرية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية بدرجات عالية لم يسبق لها مثيل

في هذا الإطار ذكر الكثير من المعلقين على قانون 21 و مفاعليه أن الدافع وراءه هو الرؤية الشعبوية للحكومة المحلية في كيبيك . وأضافوا كدليل آخر : استهداف الناطقين باللغة الانكليزية في المقاطعة جملة من التوجهات الحكومية و القرارات التي تؤثر على حقوقهم بشكل مباشر. إن حالة التعجرف و الفوقية التي تتعامل بها الفئة الحاكمة مع تلك النتائج الظالمة لهكذا توجها تؤكد للكثيرين من المتابعين البعد الشعبوي للسياسات المتبعة لهؤلاء

يأتي عنصر آخر إضافي ألا وهو البعد القومي ، و الذي يصفه الكثيرون بالمتشدد ، والذي يتبناه الحزب الحاكم في كيبيك كأيديولوجية ثابتة في كل أدبياته و سياساته. هذا المفهوم يتعارض بقوة مع التعددية الثقافية الي قامت عليها الدولة و مفهوم المجتمع الكندي بشكل رسمي من سبعينيات القرن الماضي . هذا الفكر القومي المتشدد يسقط من حسابته مفهوم المساواة و العدل بين أبناء المجتمع الواحد و لا يعنيه التمييز بينهم و جعلهم طبقات مجتمعية متنافرة فيما بينها على أسس عرقية و لغوية و دينية و ثقافية مختلفة. وهكذا تأتي التشريعات التي يخرج بها بغض النظر عن نتائجها وتأثيرها على حقوق المواطنة في كيبيك

و لعله من التأثيرات التي بدأت تظهر للمراقبين لقانون 21 هو ازدياد حالة التوتر بين حكومة كيبيك المحلية من ناحية والحكومة الفيدرالية والمقاطعات الأخرى من جانب آخر . بالرغم من محاولات الحزب الحاكم في كيبيك أن يدعي أنه ذو بعد قومي فقط و لا يدعوا إلى انفصال كيبيك عن كندا ، أقله في الوقت الحالي ، ألا إن و كما هو معلوم أن رئيس الوزراء في المقاطعة هو نفسه خدم كوزير في حكومة سابقة من دعاة الانفصال و جعل كيبيك دولة مستقلة . و هو يتميز بدعم قوي من حالة الانفصالية فى المقاطعة

إضافة لا بد من الانتباه أن المستهدفين بقانون21 هم بالأصل كنديين الانتماء للوطن ، هذا يفرض تدخل الحكومة الفيدرالية أو القضاء الفيدرالي بطريقة أو أخرى حاليًا أو فيما بعد للدفاع عن هؤلاء المتضررين و عن حقوقهم الإنسانية بالمساواة و العدل . و بالتالي إثارة حالة  النزعات القومية و العصبية في كيبيك تصب في مصلحة الحركة الانفصالية في المقاطعة في نهاية المطاف . و هناك قول مشهور إذا كانت هناك صعوبة لجعل كيبيك تخرج من كندا ، لم لا يكون السعي لإخراج كندا من كيبيك

و هكذا تتضح الصورة الأعمق لنص هكذا تشريعات معروفة النتائج والتأثيرات على أفراد المجتمع و حالة المظلومية التي تصيبهم و تقوم على التفرقة بينهم بينهم خدمة لأجندات سياسية و قناعات فكرية يحملها الحزب الحاكم