قراءة مبدئية، هادئة فى ظل محاولة الانقلاب العسكري على نظام الحكم في تركيا
بداية لا بد من التنويه ان لتركيا دور محوري و أساسي فى المنطقة. هى دولة ذات قوة عسكرية و اقتصادية كبيرة بالاضافة الى طاقة بشرية و انتاج إنمائي ضخم،كما ان لها موقع جغرافي حساس جدا يجعل منها نقطة ارتكاز مهمة في السياسات الدولية و الإقليمية المجاورة وحتى البعيدة منها.
لا يتقبل عقل مدرك ان تتحرك قطاعات عسكرية بشكل متناسق في العديد من المواقع و الأماكن بنية الاستيلاء على الحكم بشكل عنيف و تحليق طائرات مقاتلة في سماء البلاد من قبل جيش هو من أقوى جيوش الناتو دون موافقة او غض نظر او حتى عدم انتباه القوة العظمى الأكبر كالولايات المتحدة الأميريكية وغيرها من حكومات أوروبية .
التعاطي الإعلامي الغربي و التصريحات والعنواين التحليلية المتسرعة و الغير مدروسة كان فاضحا، فاقعا ومؤيدا بشكل مباشر و غير مباشر لمحاولة استيلاء العسكر على البلاد . و نذكر على صعيد المثال و ليس الحصر ان العنوان الرئيسي لمحطة CNN الأميركية فى الساعات الاولى لمحاولة الانقلاب كان ” انتفاضة عسكرية” “Military uprising ” هذا بنفسه عنوان متناقض . فالقوى العسكرية هى قوات مؤسساتية تابعة لحكوماتها و دولها و ليست مجموعات عشوائية و مستقلة حتى تنتفض . روفق هذا الشأن بكثرة التحليلات و التى جاءت بمجملها مؤيدة لحركة الانقلاب العسكري التى كانت تجرى و تحاول السيطرة على مواقع الدولة الحساسة. اما الحكومات المؤثرة ، فقد التزمت صمتا مطبقا لساعات و هذا يحمل في طياته الكثير من التفسيرات التى قد توحي ، على اقل تقدير ،بعدم اعتراضها على العملية الانقلابية الي تحصل في تركيا فى ذلك الوقت .
مع مرور الوقت وتلبية الحشود الشعبية النزول الى الشارع و التصدي المدني لدبابات و بنادق الإنقلابيين . كانت الطائرات المروحية تطلق النار على جموع المواطنين فى الطرقات و الطيران المقاتل يقصف بالصواريخ مواقع حساسة جدا بلإضافة الى قصف الدبابات ما هو رمز ديمقراطية الشعوب في العالم ألا وهو البرلمان الذى كان يعتصم فيه رئيسه و بعض ممثلي الشعب من كافة الأحزاب . كانت بوادر فشل المحاولة الانقلابية قد بدأت بالظهور.
فالرئاسة و الحكومة التركية، كما المعارضة بأطيافها كافة تحركت بشكل سريع لضبط الأمور و عدم الاستسلام لمحاولة الانقلاب . و أتت تلبية الحشود الى النزول الى الشارع و التصدي لمحاولة الاستيلاء العسكر على المرافق العامة و المدن ليقلب الموازين بشكل أساسي لمصلحة استمرار ديمومة السلطة المدنية و فشل الانقلاب .
فى هذه الأثناء و مع بوادر فشل المخطط الانقلابي كانت محطات التلفزة الغربية منها بشكل أساسي تغير لهجتها ، مثلا CNN ، غيرت عنوانها الاول الى وصف ما يجري هناك بالانقلاب العسكري Military coup. و تبع هذا توالى التصريحات الرسمية من كل حدب و صوب تؤيد الحكومة التركية و الديمقراطية و تعترض على المحاولة الانقلابية .
لا شك ان وحدة مكونات المجتمع التركي من حكومة و معارضة و و وسائل إعلام كافة و قوى المجتمع المدنى و بعض القوى الأمنية ورفضها المطلق للانقلاب العسكري كان السبب لفشله . الكل إتفق، بالرغم من التباينات السياسية ، ان الديمقراطية و هامش الحرية الموجود لا يمكن استبداله بسطوة العسكر بأي حال من الأحوال . لم يكن الامر بالنسبة لكل هذه القوى ذا طابع شخصي او يحمل لي طياته أحقادا كما لم يكن فئويا او حزبيا بل كانت مصلحة الوطن اقوى وأعلى من كل الحسابات. ايضا لم يكن التصدي لمحاولة الانقلاب دفاعا عن شخص او حزب او كيان سياسي او مكون اجتماعي فلم يرفع علم الا علم الوطن و لم ترفع صورة لرجل و لم ينقسم الشارع التركي على نفسه ولم يقبل بالقتل ولا بإطلاق الرصاص، بل وحد الصفوف وقرر دعم استمرار شرعية النظام المدني بإيجابياته سلبياته .
ان الشعب الحر والمجتمع الراشد لا يقبل بالعودة الى الذل و الهوان بل يفضل التضحية بالغالي و النفيس لكي ينعم بروح الحرية السياسية و العدالة الاجتماعية و قوة السوق الاقتصادي.
لا يمكن إنكار ان تركيا سوف تمر بمرحلة مخاض عسير فى الفترة القادمة وان تركيا الغد لن تكون هي تركيا الامس . فقد لا يستسلم ببساطة من خطط وشارك و تآمر و ادار هذه المحاولة الانقلابية . و لكن لا شك ان فشل العسكر في السيطرة على الحكم بقوة السلاح تعطي بعض بصيص الأمل لشعوب المنطقة في العيش بكرامة و حرية و ديمقراطية بعيدا عن سطوة السلاح والظلم و الموت و الدمار
.سامر مجذوب